اكتشاف مذهل في محمية «جبل علبة»: العثور على قوقع مياه عذبة في عين جبلية نائية لأول مرة!

اكتشاف مذهل في محمية «جبل علبة»: العثور على قوقع مياه عذبة في عين جبلية نائية لأول مرة!

في أقصى الجنوب الشرقي من مصر، حيث يلتقي البحر بالصحراء وتظل الطبيعة تحتفظ بأسرارها، حقق باحثان من كلية علوم الأزهر بأسيوط إنجازًا علميًا فريدًا داخل محمية «جبل علبة» بالصحراء الشرقية، ليضيفوا بعدًا جديدًا لفهم التنوع البيئي في واحدة من أغنى المناطق الطبيعية وأكبر المحميات في مصر.

وخلال مهمة علمية تهدف إلى توثيق الكائنات والنباتات النادرة في المنطقة، قادها الدكتور الدوشي مهدي، أستاذ علم الحيوان بكلية العلوم، والدكتور رشاد سعيد، وبمساعدة أبناء قبيلة البشارية الذين يمتلكون معرفة عميقة بمسالك الجبال ومصادر المياه، استطاع الفريق الوصول إلى عين «تيري»، النبع الجبلي المخفي وسط وديان جبل علبة، وهناك، وفي هدوء الصخور والينابيع العذبة، تم رصد قوقع مياه عذبة من نوع Melania melanoides tuberculata، وهو ظهور علمي غير مسبوق في هذا المكان البعيد بمئات الكيلومترات عن وادي النيل.

وذكر الدكتور مهدي في تصريحاته للمصري اليوم أن ما يثير الدهشة هو أن هذا النوع من القواقع يعيش فقط في بيئات مائية عذبة مستقرة، بينما أقرب نقطة معروفة لوجوده هي نهر النيل على بعد يزيد عن 300 كيلومتر من وادي عيديب حيث تقع عين «تيري»، مما يثير تساؤلات علمية حول كيفية وصول هذا الكائن إلى تلك البقعة النائية في الصحراء الشرقية.

وتطرح الفرضيات العلمية التي قدمها الباحثون أن الطيور المهاجرة التي تمر بالمنطقة قد تكون لعبت دورًا في نقل «بيوض» القوقع أو أفراده خلال رحلاتها، ليجد في العين الجبلية بيئة مناسبة للنمو والاستقرار، مما يعزز الروابط البيئية المعقدة بين عناصر الطبيعة ويشير إلى دور الطيور في إعادة توزيع الأنواع عبر مسارات هجرتها.

ويقول مهدي إن هذا الاكتشاف لا يضيف فقط إلى المعرفة البيئية، بل يعكس أيضًا قيمة محمية «جبل علبة» كمخزون طبيعي يستحق المزيد من الدراسة، فهي ليست مجرد محمية طبيعية، بل مختبر مفتوح لأسرار الحياة البرية التي لا تزال غير مكتشفة، ويعبر أحد شيوخ البشارية عن ذلك بقوله: «جبل علبة لا يعطي سره إلا لمن يطرق بابه بصدق».

تُعتبر محمية جبل علبة، التي تم إعلانها كمحمية طبيعية عام 1986، واحدة من أكبر المحميات الطبيعية في مصر بمساحة تقارب 35 ألف كيلومتر مربع، وتتميز بوجود أعلى قمة جبلية في الصحراء الشرقية (2200 متر فوق سطح البحر)، مما يمنحها مناخًا فريدًا أكثر رطوبة واعتدالًا من بقية الصحراء المحيطة، ويسمح بظهور غطاء نباتي نادر.

وتحتوي المحمية على أكثر من 350 نوعًا نباتيًا، بما في ذلك أشجار المانجروف على شواطئها الشرقية، وأنواع برية نادرة مثل شجرة الأراك والمرخ، بالإضافة إلى نباتات طبية وعطرية شكلت جزءًا من معرفة القبائل المحلية عبر القرون، كما تضم أكثر من 170 نوعًا من الطيور، منها المهاجرة والمقيمة، بالإضافة إلى ثدييات مثل الغزال الجبلي والوعل النوبي والثعلب الرملي، مما يجعلها كنزًا بيولوجيًا نادرًا.

وأكد مهدي للمصري اليوم أن وجود هذا القوقع في عين «تيري» يفتح آفاقًا جديدة لدراسة العلاقة بين الكائنات المائية والطيور المهاجرة، ويظهر كيف يمكن للطبيعة أن تدهش العلماء وتعيد تشكيل معارفنا، كما يبرز أهمية التعاون مع المجتمع المحلي، إذ كان لأبناء قبيلة البشارية دور حاسم في الوصول إلى العين الجبلية بفضل معرفتهم الدقيقة بطرق الصحراء ومصادر الحياة فيها.

وأضاف مهدي أن محمية جبل علبة، بما تحتويه من جبال ووديان وموارد طبيعية ومجتمعات بشرية متعايشة مع بيئتها، تظل واحدة من أكثر المناطق غموضًا وإثارة في مصر، حيث لا تزال تخبئ قصصًا لم تُروَ بعد، وتنتظر المزيد من الاكتشافات العلمية التي قد تغيّر فهمنا للبيئة في المنطقة.